التربية مسئولية ، واختلاف الرأي بين الوالدين وأولادهم الصغار أو الكبار أمر طبعي غير مستنكر ولا مستغرب .
وعندما يشب الأطفال عن الطوق وينتقلون من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب مروراً بالمرحلة التي نسئ فهمها وتزعجنا ، المرحلة التي عبرنا عن شنآننا لها ب" المراهقة " ، بينما هي أحلى فترات العمر ، مرحلة الإزهار والتفتح بالنسبة للإنسان ، مرحلة التغيير الحقيقي في كل شئ ، في مكونات الجسد الداخلية والخارجية ، في الصوت ، في الأفكار والرؤى والأحلام والتطلعات ، في حب الظهور ، وامتلاك الأشياء " الكشخه " ، التفلت والتخفف من المسئوليات ، الامتناع عن أداء الواجبات ، اللعب ، العبث ، …الخ ما يعبر عنه لسان حال ومقال الولد ، ابنا كان أو بنتاً بأنه تغير ولم تعد الملابس والأفكار القديمة تتسع له . أقول عند بلوغ الكثيرين من أولادنا لهذه المرحلة تتزايد أحاسيسنا القلقة تجاههم ، وربما تسوء العلاقة بيننا وبينهم . في مرحلة الطفولة اعتاد الوالدين على سماع كلمة " نعم " ، و " حاضر " ، و " طيب " … الخ الكلمات الموافقة من أولادهم في جميع الأحوال ، في حالي الرضا والسخط ، المنشط والمكره ، دائماً اختيارات الوالدين وحدهم هي المقبولة من الأولاد ، لا رأي لغيرهم في تسيير شئون حياة أولادهم ، يؤكلونهم ما يريدون ، يلبسونهم ما يروق لهم ، يخرجونهم متى شاءوا ، يمنعوهم من ذلك وفقاً لقراراتهم ، يحصون أنفاسهم ، حركاتهم ، سكناتهم ، يصدرون لهم آلاف التوجيهات والتعليمات والأوامر ، ولا يقبلون منهم إلا الطاعة العمياء ، لا يقبلون المعارضة ولا التأفف . أما عندما ينتقل الأولاد بشكل فجائي إلى أجمل مراحل العمر ، إلى مرحلة المراهقة ، فيتغير أسلوب تعاملهم ، يُسمعون أهلهم الكثير من كلمة " لا " ، و" ما ابغى " ، و" غير موافق " ، " لماذا أنا " ، و " ويش معنى زملائي ؟! " ، يتأففون ، يكثرون اللوم والعتاب على أبسط الأشياء ، يتذمرون مما كان لديهم مقبولا وبامتياز ، لا يرغبون في الاستماع إلى والديهم ويعدون كلامهم من قبيل الثرثرة والوعظ المفرط ، لا يحبون الجلوس معهم ، يقاطعونهم إن هم رفضوا الموافقة على طلباتهم ، يفضلون عليهم أصدقائهم ، يسمون أفكار أهلهم بالتخلف ، وتستهويهم أفكار زملائهم وأصدقائهم الذين تنقصهم في الغالب التجربة والخبرة ، ويميلون إلى الانطلاق بلا قيود والتقليد الأعمى والرغبة في تجريب كل غريب ومثير غير مبالين بالعواقب ، ولا حاسبين للأمر حساباته، إن أشرت على أحدهم بلبس معين قلل من جودة اختيارك ووسمك بعدم المعرفة ، إن أيقظته من النوم طالبك بإتاحة الفرصة لمزيد من النوم وإن كان في داخله ليس بحاجة للمزيد ، إن طلبت منه الدراسة رفض وطالبك بان تتيح له فرصة الخروج مع أقرانه وزملائه وأصدقائه ، إن نصحته بعدم ممارسة بعض العادات كسماع الغناء أو التدخين أو ما شابه ، تمسك بممارستها ، وكأنه يقول : سأستمر غصباً عنك ونكاية بك ، يحب أن يشعر بقدرته على الاستقلال في الرأي ، وأن لا تفرض عليه رأيا معينا وإن كان في داخله موقن تماماً بصحة وجهة نظرك ، الخ . عندما تصل الأمور إلى هذا الحد ، يداخل الآباء والأمهات خوف وقلق كبيرين على أولادهم ، لا يعرف خطورته إلا من جربه ، يخشون أن تضيع جهودهم التي بذلوها لتربية ولدهم ، يعدون تغير أولادهم من قبيل الجموح ونكران الجميل ، يضغطون بكل الطرق الممكنة لكبح جماح أولادهم التواقين لتغيير كل شئ ، والميالين إلى العيش بدون قيود ولا حواجز ، وبدون امتثال لأي قيم أو مثل أو عادات او تقاليد ، وربما تمتد أيديهم بالضرب والألسن بالإهانة وتحقير الذات ، فيتذمر الأولاد ، ويشعرون بأن أهلهم تغيروا ، ولم يعودوا يحبون لهم الخير ، يشعرون بأن أهلهم يقمعونهم ، وفي داخلهم وأحياناً يعبرون عن ذلك بشكل علني ويصفون أهلهم بالديكتاتوريين ، المتخلفين ، الظلمة ، قصار الأنظار ، .. الخ ، وربما امتلأت قلوب الطرفين بالكراهية لبعضهم البعض لدرجة أن البعض يعتقدون أن والديهم يقفون حجر عثرة في طريقهم ويتمنون لو يزول هذا الحجر ، بينما يعتقد بعض الآباء أن أولادهم سمموا حياتهم فيدعون عليهم وربما يتمنون لهم الموت للخروج من هذا المأزق الذي جعل الحياة سوداوية في أعينهم بقلم /عبدالله بن سعيد الصانع.. . |
ما طآح من نخل السنين إلا عناقيد الجروح
مشكور جدّاً يا زمن خيرك عليّ دايم كثير
/