فيسبادن.. صاحبة الينابيع الـ26 المعدنية الاستشفائية
مدينة ألمانية تجذب الباحثين عن العلاج والراحة
في صباح باكر من أيام الصيف الدافئة والماطرة أحيانا وصلت رحلة طيران «لوفتهانزا» المنطلقة من لندن والمتوجهة إلى مطار فرانكفورت بالسلامة، ووصل جميع المسافرين إلى الأراضي الألمانية بخير بمن فيهم أنا.. ولكن الشيء الوحيد الذي لم يكن على متن تلك الرحلة الصباحية كان حقيبتي، غير أن حماسي للتعرف إلى ألمانيا للمرة الأولى جعلني أنسى همّ الحقيبة ومهمة العثور عليها في أقرب وقت ممكن. فيسبادن هي العاصمة الإقليمية لولاية «هسن» منذ عام 1945، ويعيش فيها نحو 270 ألف نسمة، وتقع ما بين السفوح الجنوبية لتلال التاونس ونهر الراين. تعرف المدينة بعدة ألقاب، من بينها «مدينة الحمامات» و«عروس الشمال» و«المدينة الأكثر خضارا في ألمانيا»، فهي مدينة تاريخية بامتياز ولكنها في الوقت نفسه منطقة عصرية، لذا ترى فيها السياح من مختلف الشرائح الاجتماعية والعمرية، فتجد فيها في الدرجة الأولى السياح الذين يقصدونها بهدف الشفاء من أمراض الروماتيزم ومشاكل العظام، والربو ومشاكل التنفس والأمراض الجلدية، ففيسبادن تتمتع بـ26 ينبوعا، وتنتشر فيها الحمامات التي يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي عام، ولقبت المدينة باسم ينابيع الماتياكيين «قبيلة جرمانية» (Aquis Mattiacis) وكان يقصدها في الماضي الرومان عندما سكنوا المدينة في عام 40 بعد الميلاد، ومن أشهر الحمامات في فيسبادن حمام Kaiser) ـ Friedrich ـ (therme الذي شيد في عام 1913، وتأتي إليه المياه الساخنة التي تصل حرارتها إلى أكثر من 66 درجة من ينبوع أدلركويلا، وفيه يقوم الزائر بالخضوع لحمام الساونا الساخن والاستحمام في المياه المعدنية على الطريقة الأيرلندية الرومانية، إضافة إلى أنواع عديدة من العلاجات الحديثة مثل العلاج بالأكسجين وغيرها من العلاجات الطبيعية الأخرى، ففي الكثير من الأحيان ينصح الأطباء المرضى بالذهاب إلى فيسبادن وزيارة تلك الحمامات التي ثبت علميا أنها مفيدة لعدد كبير من الأمراض. في فيسبادن تتوافر خيارات عديدة للحمامات، فهناك الحمامات المبنية على الطراز الروماني القديم، وأخرى عصرية، وبعضها مختلطة، وبعضها مخصصة في أوقات محددة للرجال وأوقات أخرى للنساء. لتلك المدينة سحرها الخاص، فينابيعها جعلتها تتطور بشكل كبير، وأدت بها إلى الارتقاء في القرن الثامن عشر إلى مدينة راحة واستجمام، مما جعلها تزدهر اقتصاديا وثقافيا، وكانت ولا تزال حتى يومنا هذا قبلة الأثرياء والفنانين والمشاهير والمصرفيين.. وإلى جانب شهرتها كونها مقصدا مهما للاستشفاء، إلا أنها تقدم فرصا أخرى تغري السائح، فإذا كنت من محبي المشي والتنقل بين كروم العنب وتنشق الهواء النقي فلا بد أن تتوجه إلى «أسمانهاوسن» لتستقل بعدها أحد القوارب التي تقوم برحلات متتالية في نهر الراين وتصل بعدها بنحو 15 دقيقة إلى (Rudesheim) وهي منطقة ريفية تشعر عند وصولك إليها بأن عقارب الزمن تشدك إلى الماضي، فطرقاتها ضيقة، وهي مزدحمة بالزوار، تجد المحلات الصغيرة متراصة على جانبيها، وتنتشر فيها المطاعم الصغيرة التي تقدم المأكولات المحلية، ومنها تصل إلى محطة «التلفريك» ومن خلال تلك العربات الكهربائية المعلقة يمكنك أن تمتع نظرك بأجمل المناظر الطبيعية الخلابة، فتخيل نفسك على علو مرتفع من النهر، وفي الوقت نفسه تشعر وكأن رجليك تلامس الكروم، وعندما تنظر إلى أعلى تشعر وكأنك سوف تلمس السماء، لتصل بعدها إلى أعلى قمة في المنطقة تطل على أروع المناظر، وبعدها يكون لديك الخيار في المشي أو العودة أدراجك إلى أسفل المنطقة بالطريقة نفسها التي صعدت بها إلى تلك النقطة العالية، ولكن أنصح هنا بالعودة إلى «روديشهايم» مشيا على الأقدام بين العنب والدوالي وعبر طرقات ملتوية ضيقة، وتستغرق العودة نحو الساعة من الزمن، لترجع بعدها إلى قلب تلك المنطقة النابضة التي يبدو أنها تتكيف مع زوارها بشكل رائع، فعندما سألنا سوزان بروير صاحبة مطعم وفندق «روديشهايم شلوس» عن وقت إقفال أبواب المحلات في المنطقة، أجابت «عندما يرحل الزوار»، ومن أهم ما يمكن أن تراه في المنطقة متحف الموسيقى والمطاعم الصغيرة التي تفتح أبوابها في فترات الصيف فقط وتحديدا في فترة قطاف العنب، ولكن لا بد أن تتذوق المأكولات الألمانية المحلية التي تنفرد بها «روديشهايم»، فعلى أنغام الموسيقى في مطعم (Rudesheim Schloss) الذي يعتبر من أقدم المطاعم، وهو واقع في أقدم فندق في المنطقة، يمكنك تذوق ألذ المأكولات التي لا تجدها إلا في تلك المنطقة. الأجواء رائعة، والأهم هو أن حب الحياة واضح على وجوه السكان والزوار. ومن الزيارات المميزة الأخرى في فيسبادن زيارة كنيسة (Russische Kirche) الروسية ذات القباب الخمس، وبنيت ما بين عامي 1847 و1855 على رفات زوجة الدوق أدولف، الدوقة إليزابيث ميخايلوفنا، وأصلها من سان بيترسبورغ، والتي توفيت بعد أن وضعت طفلها البكر بوقت قصير وكانت في الـتاسعة عشرة من العمر، وتعتبر هذه الكنسية التي تتميز بهندسة معمارية رائعة من الكنائس الأرثوذكسية القليلة في المنطقة، ففي القرن الثامن عشر كانت تسمى الكنائس الأرثوذكسية باسم الكنائس اليونانية، ولا تزال الطوائف الأرثوذكسية حتى يومنا هذا تؤدي الصلاة في تلك الكنسية الواقعة على هضبة مطلة على فيسبادن، ومنها يمكنك الوصول إلى مسبح «أوبل» الذي يعتبر من أقدم المسابح المكشوفة في فيسبادن، ومن بركة السباحة الشاسعة تطل على منطقة راين ـ ماين وفيسبادن، ويعتبر من أجمل المسابح في الهواء الطلق في المدينة. وعلى بعد دقائق معدودة تصل إلى محطة قطار، نيروبيرغ لتستقل القطار الذي يعمل بقوة دفع الماء ويأخذك في رحلة قصيرة على مسافة 440 مترا لتصل إلى قلب المدينة وسوف تلاحظ آثار الحرب على تلك المدينة من خلال تغير التصميم العمراني المستخدم في الأبنية التي شيدت بعد الحرب مقارنة بالأبنية التي خلصت من القنابل وألسنة النيران. من أشهر مباني المدينة القديمة مبنى مسرح «هسن» الأثري الذي استقبل على مدى مئات السنين أشهر الفنانين والرسامين والنجوم والشعراء والأباطرة عندما كانت مدينة القيصرية محكومة من قبل الناسويين، وبني المسرح على طراز الروكوكو، وتضم الصالة الرئيسية 1041 مقعدا، ومن أجمل ما يميز التصميم العمراني الأعمدة التي تشكل مع أعمدة «الكور هاوس» شكل حدوة الفرس، وافتتح الكازينو في «كور هاوس» أبوابه من جديد في عام 1942 بعد إقفال دام لأكثر من 70 عاما. ومحطتنا التالية كانت في مطعم (Kafer) وهو من أقدم مطاعم المدينة، وتزين جدرانه صور مشاهير العالم الذين قاموا بزيارة المدينة وتسنى لهم تذوق أشهى الأطباق في المطعم، من دون أن ننسى خبز «البريتزل» الأشهر. وتعتبر فيسبادن أيضا عنوانا مهما للتسوق، فيمكن أن تمشي في شوارعها وتتذوق مياهها المعدنية الحارة المالحة جدا من خلال أسبلة المياه التي تركها الرومان داخل قباب أثرية.. وبالمقابل تجد نفسك في جنة تسوق عصرية فيها ما يحلو لك من ماركات عالمية، وهناك شارع مخصص للمشاة فقط تجد فيه كل أنواع الحاجيات، وبما أن حقيبتي كانت لم تصل بعد من رحلتها الطويلة فوجدت فرصة وعذرا للتبضع من محلات فيسبادن الكبرى. وعندما تقضي اليوم كاملا في أحضان الماضي والتاريخ يجب عليك أن تنهيه كما بدأته، لذا لا بد أن تتوجه إلى فندق «ناصر هوف» الذي يقع في قلب المدينة النابض ويعتبر من بين أقدم الفنادق، ويتمتع بوجود بركة سباحة معدنية خاصة به، ويتميز بديكوره العصري والحديث وفيه يقع مطعم (Orangerie)الذي يشكل نقطة جذب مهمة لأثرياء المنطقة خاصة أن فيسبادن تعتبر ملاذا لأصحاب الملايين، فمنذ عام 1907 وينظر إلى فيسبادن كونها مغناطيس الأثرياء وأصحاب الملايين في أوروبا، وقد يكون السبب في ذلك هو هروب النبلاء الروس بعد ثورة أكتوبر إليها. وبحسب إحصائية أجريت عام 1995 فإن 997 مليونيرا يقيمون في فيسبادن، لذا ترى أن عددا كبيرا من الذين يشغلون أهم المناصب في فرانكفورت يختارون العيش في فيسبادن.
|
الله يبيحه مآ . أبي منه / تبريـر
واللي معه قصّرت . و إلا جرحته ؟
أبيه يسامحني . على كلّ . تقصير