اعتادت طيور الأوز أن تهاجر في فصلي الربيع والخريف، وهي تنتقل أثناء هجرتها على شكل عائلات؛ حيث إن الأبوين في السرب يبقيان معاً زوجين مدى الحياة، ويستمران في رعاية أطفالهما حتى بلوغهم سن النضج، ويبدو الحب الجميل واضحاً بين أفراد الأسرة مع ما يصادفها من صعاب؛ فهما يبذلان كل جهدهما للبقاء معاً، ورعاية أفراخهما، ويؤكدان لهم اهتمامهما وحبهما، فتنشأ أفراخ الأوز في هذه البيئة المفعمة بالحب والسعادة.
الحب هو خبز الحياة، وبالحب ينمو حتى الشجر والزهر.
ما سر الطفل السعيد؟
كيف نجعل أطفالنا سعداء؟
ماذا لو لم يتمتع أبناؤنا بطفولة سعيدة؟
إن تربية الوالدين وطريقة تعاملهما مع أطفالهما تنعكس عليهم في المستقبل، وقد ثبت لدى الباحثين بشكل قاطع تأثير السنين الأولى من العمر في باقي حياة الطفل؛ فاللحظات السعيدة التي يقضيها الطفل مع والديه توطد العلاقة الحميمة بينهما، وتشعره بالسعادة والمتعة.
ويتصف بعض الأشخاص بقدرتهم الدائمة على التفاؤل والإقبال على الحياة بغض النظر عن الظروف الصعبة الظاهرة التي تحيط بهم، وقد شب كثير من الناس على عدم الشعور بالسعادة وذلك لأسباب يعود معظمها إلى طفولتهم وطريقة نشأتهم، فما المقومات التي تساعد على تنشئة أطفال سعداء قادرين على مواجهة الصعاب بقوة وثبات؟
. هل نتقبل أطفالنا؟
من المهم أن يدرك الوالدان أنه من المستحيل إنجاب طفل حسب الطلب، وعليهما أن يتقبلا فكرة أن طفلهما لن يكون إلا ما هو عليه؛ حتى لا يمثل مصدر كرب وهم لهما؛ ولأن تأثيرهما كبير في تشكيل شخصية الطفل فهو بحاجة إلى أن يشعر بأنه مقبول من كليهما، مهما كانت صفاته خُلقياً أو خِلقياً؛
فالطفل الذي يتم تقبله كما هو يشب وكله ثقة بنفسه، وتغمره السعادة، ويتمتع بمعنويات مرتفعة تجعله يبذل أقصى قدراته للاستفادة من كل الفرص التي تصادفه، عكس الطفل الذي لم يتقبله والداه فيشعر بأنه غير مرغوب فيه، وعديم القيمة فيفقد الثقة بنفسه، ولا يكون قادراً على الاستفادة مما لديه من ذكاء ومهارات؛ وهو ما يدفعه إلى الانطواء والإحباط.
تذكر أن كل طفل من أطفالك يختلف عن أخيه، فاحترم تميز كل منهم وتقبله.
. هل نعرف كيف نحب أطفالنا؟
يعتقد كثير من المربين في مجتمعاتنا أن العناية بالطفل عن طريق توفير المأكل والملبس والاهتمام بالصحة والتعليم وتوفير أفضل سبل الراحة والرفاهية هو أقصى الحب الذي يهبونه له، وهم يتغافلون أو يغفلون عن إظهار هذا الحب بالقول والتعبير، ويعود السبب وراء هذا التقصير إلى أنهم لم يعتادوا التعبير عن مشاعرهم منذ الصغر؛ اعتقاداً منهم أن هذا الأمر ضعف في الشخصية أو نوع من التدليل الزائد الذي يفسد الطفل، علماً أن الاعتراف والإفصاح عن الحب هو أهم مقومات السعادة في تنشئة الطفل.
وعلى المربي ألا يعتقد أن الوقت قد تأخر؛ فبإمكانه التعبير عن هذا الحب بإسماعه عبارات مثل "أنا أحبك" أو عبارات التشجيع والثناء التي تشعر الطفل بأنه محبوب مثل: (تعجبني الطريقة التي استخدمتها)، (شكراً أنا أقدر جداً ما قمت به؛ لأنه يسهل عملي… إلخ).
وقد ورد ذلك في سيرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما جاءه أعرابي فرآه يقبل الحسن بن علي رضي الله عنهما فتعجب الأعرابي، وقال: تقبلون صبيانكم؟ فما نقبلهم. فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟
. كيف نتواصل مع أطفالنا؟
يكون الطفل في قمة سعادته عندما يشعر بالتواصل الفعال مع والديه؛ لأنهما مصدر الأمان والراحة بالنسبة إليه، ويتجلى هذا التواصل من قبلهما بالنظرة الحانية المباشرة والقرب والتربيت والحضن والتقبيل كما يكون بالوضوح والدقة عند التوجيه، وإعطاء الأوامر؛ للتأكد من فهم الطفل لها مثل: لا نقل رتب غرفتك، بل حدد له ما يجب عليه فعله بالضبط: ضع ملابسك في الدرج، أو رتب الكتب والمجلات كلاً على حدة… إلخ.
كذلك يكون التواصل بالاستماع، ولكن ليس أي نوع من الاستماع بل ما نقصده هو الاستماع الفعال الذي يعني قدرة المربي على معرفة مشاعر الطفل والتعبير عنها مثل: أنا أسمعك… أنت غاضب من صديقك؟ أو (تبدو منزعجاً… هل تريد التحدث عما يزعجك؟)
ويعد الاستماع الفعال بمنزلة المرآة التي تساعد الطفل على رؤية نفسه بوضوح أكثر، أي أنها تعطي الطفل التغذية الراجعة أو رد الفعل تجاه مشاعره.
ويكون التواصل أكثر فاعلية بالاستجابة المفتوحة التي تظهر أن المربي قد استمع إلى الطفل باهتمام وفهم مشاعره مثل: إذا اشتكى الطفل من عدم مشاركة أصدقائه له في اللعب معه فتقول: أنت تشعر بأنك مهمل أو يبدو أن لا أحد يود أن يلعب معك.
هذه الاستجابة من المربي تعطي الطفل الإحساس بأنه مقبول وأن له أهمية، وأن هناك من يقدر مشاعره؛ وهو ما يحمسه ويدفعه لأن يعبر أكثر عما بداخله فتفتح قنوات التواصل بينه وبين من حوله.
وقد تكون الاستجابة مغلقة مثل: ماذا أفعل لك… هكذا هي الحياة.
هذه الاستجابة لا تتقبل مشاعر الطفل وتشعره بأن ما يقوله ليس بذي أهمية فيعتقد بأنه مرفوض فتقف عقبة أمام التواصل مع من حوله، وتحول دون شعوره بالسعادة.
إن كثرة التذكير والتوبيخ والوعظ والتهديد تضعف صورة الطفل أمام نفسه، وتفقده إحساسه بالانتماء والمبادرة والتواصل، وتزيد من توتره.
4. هل نحترم أطفالنا؟
احترام الطفل يعني أن المربي يعامله كإنسان ذي قيمة عالية، إن تقدير الطفل لذاته وثقته بنفسه تتعلقان إلى حد كبير بموقف المربي منه ونظرته إليه. هل يمنحه المربي الحق في أن يكون له آراء خاصة أو الحق في أن يخطئ؟ وهل يتعامل معه باحترام ولا يبالغ في توبيخه؟ من خلال الصورة التي يكونها المربي عن الطفل، يكون الطفل صورته عن نفسه ويحتفظ بها مدى الحياة.
كثيراً ما يتحدث المربي مع الطفل بغضب وانفعال نتيجة للإرهاق في العمل أو ضغوط الحياة، فيحمله تبعات أعماله، ولكن الطفل لا يدرك الظروف الخاصة التي يمر بها المربي فيشعر بالخيبة في أعماقه بسبب اللوم والتوبيخ، ويرى نفسه طفلاً سيئاً غير جدير بالمحبة.
فعندما يخاطب المربي الطفل بأسلوب لا ينم عن الاحترام مثل (الصراخ، الأوامر، والنواهي، وإطلاق الأحكام) فإنه يشعر بأنه محتقر ومهان؛ لذا ينبغي للمربي الانتباه إلى الأسلوب الذي يطلب فيه من الطفل أداء عمل أو مهمة ما (كاستعمال كلمة من فضلك، شكراً، لو سمحت)، أو الأسلوب الذي يوجه فيه الطفل والذي ينبغي أن يكون واضحاً، ويعتمد على التشجيع والثناء قدر الإمكان، وباتباع هذه الطريقة ينشأ احترام متبادل بين المربي والطفل يجعل الطفل يحترم نفسه ويحترم الآخرين من حوله ويشعر بالسعادة.
انتبه: لا تعامل طفلك باعتباره شخصاً راشداً؛ فهو ما زال طفلاً لم ينضج بعد، ولا يفهم كل ما يدور حوله، ولكنه يستحق احترامك.
مقترحات لأفكار وأنشطة:
1. في نهاية كل يوم وقبل أن يذهب طفلك إلى النوم اجلس معه، وحدثه عن أسعد اللحظات التي مرت بك خلال يومك، وشجعه على أن يروي لك بدوره أسعد اللحظات التي مر بها في يومه (في البيت، في المدرسة، في الحديقة).
2. عندما يروي لك طفلك حادثة طريفة أو نكتة مرحة فاضحك معه، وأظهر سعادتك لما يقوله حتى ولو لم يكن ما يرويه مضحكاً إلى هذا الحد.
3. خصص كراسة صغيرة، وشجع طفلك على تزيينها حسب رغبته، ودون معه لحظات أو ذكريات أوقات حميمة وسعيدة مرت بكما في ذلك اليوم.
4. نظم مع طفلك جدولاً خاصاً لإجازاتك الأسبوعية أو السنوية؛ حتى يكون الوقت الذي تقضيه معه في هذه الإجازة مثمراً وسعيداً، ويشتاق الطفل لقضائه معك.
5. شارك طفلك في اختيار أماكن النزهات أو الرحلات؛ حتى يكون سعيداً أثناءها.
6. عند قيامك ببعض الأمور المنزلية البسيطة (عمل كعكة، ري الحديقة، إصلاح عطل بسيط) اطلب مساعدة طفلك واشرح له ما تقوم به حتى يشعر بأهميته ومكانته لديك وقدرته على إنجاز مهام بسيطة تصبح ذكريات سعيدة في المستقبل.
7. شجع طفلك على اختيار كتب وقصص من المكتبة تتضمن قيماً ومبادئ مثل: الالتزام، المدح والدعم، المسؤولية، اليقظة، التواصل، الانضباط، التماسك والتناغم، الأمان والهوية، الحرية بأسلوب مرح ومناسب للمرحلة العمرية واستمتع معه بقراءتها.
تذكر ـ عزيزي المربي ـ أن طفلك أمانة لديك، وأنه سيكبر ويغادر المنزل؛ ليؤسس بدوره حياته المستقبلية التي ستكون صورة مشابهة لما عاشه في طفولته؛ لذلك عليك أن تحسن تربيته، وتمنحه الوقت والانتباه، وأن تستثمر هذه الفترة وتعيشها بكل جوارحك، وأن تجعلها مرحلة مفعمة بالسعادة والمرح والتفاؤل.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فهو لم يسئ معاملة طفل قط، بل كان يلاعب الأطفال، ويوجههم ويعلمهم بكل لين ولطف وحب.