تحفز الأطفال أو «التنمر» في المدارس .. وسبل الحد منه
رغم أن الأميركيين غالبا ما يغضون الطرف عن «التحفز» بوصفه واحدا من طقوس الطفولة، فإن ظاهرة التنمر bullying في المدارس قد أضحت مسألة يعترف بأنها شكل من أشكال العدوانية، التي قد تؤدي إلى عواقب نفسية بعيدة المدى ـ لكلا الجانبين: الضحية والمعتدي. واستجابة لهذه المسألة فقد أعادت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال AAP النظر في وثائقها الموضوعة حول عنف الشباب، بحيث شملت ولأول مرة، معلومات عن كيفية التعرف على التنمر وكيفية التعامل معه. أشكال التحفز (التنمر) ومع انتشار وسائط الإعلام الإلكترونية فإن أنواعا جديدة من أعمال الترهيب أخذت تنتشر أيضا، وهي تندرج ضمن «التنمر الإلكتروني». ومهما كان شكل التنمر فإنه يشتمل على عدد من الخصائص الجوهرية، فهو موجه لإلحاق الأذى بشخص آخر، ويظهر عادة بشكل متكرر، ويحدث بين شخص قوي يهاجم شخصا آخر أضعف منه (سواء من الناحية البدنية أو النفسية أو كليهما). ويكون التنمر بين الذكور عادة جسديا (مثل صفع شخص آخر)، أما بين الإناث فإنه ينحى باتجاه الأفعال غير المباشرة (مثل نشر الشائعات). وقد أجريت أغلب الأبحاث على التنمر في استراليا، وفي أوروبا أيضا التي تراوحت فيها معدلات أعمال التنمر المتكررة بين نسبة 2 في المائة بين الشباب في أيرلندا إلى 19 في المائة في مالطة. وأفادت دراسة مثلت فيها مختلف الفئات في الولايات المتحدة أجريت على 15 ألفا و686 من الطلاب الدارسين في صفوف السنوات من 6 إلى 10، بأن 9 في المائة منهم قاموا بأعمال التنمر ضد الطلاب الآخرين مرة واحدة في الأسبوع على الأقل، بينما وقع 8 في المائة من الطلاب ضحايا لأعمال التنمر المتكررة. وكان معدل حمل السلاح من قبل ضحايا التنمر الأسبوعي أعلى بـ1.5 مرة مقارنة بالطلاب الآخرين، في حين زاد معدل حمل السلاح إلى 2.6 مرة لدى القائمين بأعمال التنمر أنفسهم. عواقب نفسية الضحايا: الأطفال والمراهقون من ضحايا التنمر يعانون من شكل متدنٍ من أشكال البؤس الذي يوصف عادة في الأدبيات العلمية بأنه «تكيف نفسي سيئ» ولا يزال من غير الواضح في ما إذا كان هذا يحدث بسبب أنهم ضعفاء أو مهددون أكثر من غيرهم منذ البداية، أو نتيجة تعرضهم لأعمال التنمر، أو بسبب توليفة من هاتين الحالتين. وغالبا ما يشار إلى هؤلاء بوصفهم «مختلفين»، فمن الصعب عليهم إقامة صداقات، وهم يميلون إلى الوحدة والانعزال، ويعانون نفسيا واجتماعيا .. وبالنتيجة فإنهم قد يتغيبون عن حصص دروسهم ويتحاشون المدرسة، أو يتناولون المخدرات أو المشروبات الكحولية بهدف تخدير مشاعرهم. وضحايا التنمر المزمن هم أيضا عرضة لخطر حدوث مشاكل بعيدة المدى، فهم وفي الغالب، يتعرضون في أوقات لاحقة إلى الكآبة أو يفكرون في الانتحار. وقد وجدت دراسة مستقبلية أجريت في إنجلترا استندت إلى معطيات صحية ومقابلات سنوية مع 6437 طفلا، أن الأطفال بين أعمار 8 و10 سنوات الذين تعرضوا بشكل متكرر لأعمال التنمر، كانوا يمرون بأعراض الذهان العصبي خلال فترة مراهقتهم أكثر بمرتين من الآخرين. المتحفزون: القائمون بممارسة أعمال التنمر يعانون أيضا على المدى البعيد، فهم أكثر من نظرائهم الآخرين من الطلاب، يميلون إلى تناول الكحول أو تدخين السجائر، وقد وجدت إحدى الدراسات الطويلة الأجل أن 60 في المائة من المتنمرين من طلاب المدارس السابقين، قد تمت إدانتهم بإحدى الجرائم لمرة واحدة على الأقل بوصولهم إلى عمر 24 سنة. المتفرجون: إن شهود أعمال التنمر هم من الطلاب والآباء والمعلمين، وهؤلاء ليسوا شهودا سلبيين، إذ إنهم ربما يلعبون دورا نشطا، حتى وإن لم يكن مباشرا، في تشجيع أعمال التنمر حسب خصائص شخصياتهم النفسية. بعض المتفرجين قد يكونون خائفين من أن يقعوا ضحايا لأعمال التنمر، بينما ينحاز آخرون إلى القائمين بهذه الأعمال ويتمتعون بمشاهدة معاناة شخص آخر، وهذان النوعان من المتفرجين يساهمان في خلق أجواء مساعدة على استمرار التنمر. وقد لاحظت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال ومؤسسات أخرى، أن أكثر أنواع التدخل المساعدة كانت تلك التدخلات التي لم تكن موجهة نحو المتنمرين ولا نحو الضحايا فقط، بل ونحو الأغلبية العظمى من المتفرجين، الذين يرغبون في القيام بالعمل الصحيح، إلا أنهم يحتاجون إلى المشورة حول كيفية القيام بتلك التدخلات بشكل مثمر. كيفية المساعدة وعموما فإن جهود درء التحفز داخل المدرسة توجه إلى تعزيز معنويات وقدرات الضحايا لمواجهة المتنمرين وتحديهم، وتشجيع الآباء والمدرسين والمتفرجين الآخرين على الإبلاغ عن أي حادثة للتنمر بدلا من التغاضي عنها، وكذلك خلق أجواء مدرسية تمنع وقوع أعمال التنمر أو تراقبها بصرامة. كما أن التوجه إلى داخل الأسرة لتخفيف الأعمال العدوانية، بتوعية وتدريب الآباء الذين قد يصرخون أو يصفعون، أو يتصرفون بشكل عدواني تجاه أطفالهم، قد يخفف أيضا من سلوكيات التنمر في المدرسة، ولذلك تصمم بعض البرامج خصيصا للأسرة. لكن مدى الفائدة التي تقدمها هذه البرامج لا يزال غير واضح، وذلك يعود جزئيا إلى أن البرامج متنوعة الأنماط، كما أنها مختلفة في التصميم. إلا أن جملة من الأبحاث الموثقة تدعم المجهودات التي تبذل لزرع روح الصلابة لدى الأطفال والمراهقين، كواحدة من الطرق لمساعدتهم على مجابهة سلوكيات التنمر، وأشكال التوتر الأخرى التي سيمرون بها أثناء حياتهم. والبرامج المتنوعة المتوفرة حاليا لمجابهة التحفز لا يمكنها أن تؤذي الأطفال الصغار، بل إن بمقدورها أن تبني أسس الصلابة لديهم. |