الشخصية «الإرجائية» شعارها الدائم: «سأفعل ذلك غدا»
حزمة من المتناقضات تصطحبها وتتعايش معها الشخصية الإرجائية، فما يستغرق إنجازه يوما واحدا، تنجزه في أسبوع، وما يجب إنجازه في أسبوع تنجزه في شهر أو شهرين. ومن منطلق البطء الذي يشكل إيقاع حياتها الخاص، تنسج شعارها الدائم والمحبب «من الممكن أن أفعل ذلك في الغد»، ويأتي الغد وفي طياته أيضا دعوة أخرى للتأجيل لغد آخر. وعلى الرغم من أن هذا النمط من الأداء معوق للشخص نفسه، إلا أن هذه الشخصية تظل حالة إنسانية فريدة، وعلى الجميع أن يعرف كيفية التصرف والتعامل معها، سواء كان الزوج أو الزوجة أو الأهل والأصدقاء. الطريف في الأمر، أن هذه الشخصية معطاءة ومحبة للخير والحياة، لكنها غالبا، ما تضجر من النصيحة وتذكيرها بما يجب أن تقوم به، كما أنها لا تعترف بالنسيان كمبرر لسلوكها الإرجائي. وهو ما تشير إليه بطة فتحي إبراهيم «صحافية»، حينما تشكو من صديقتها المفضلة «ص»، قائلة: «عرفتها منذ حوالي تسع سنوات، ولم أفلح في أن أغير هذه الصفة بها، صديقتي من أكثر من عرفت إخلاصا وحبا، تشارك في حل أي مشكلة بكل حواسها، وتحسن الإصغاء والتفكير وتصور الحلول، لكن هذه الصفة تؤثر بشدة على مستقبلها المهني، فهي لا تنجز ما عليها إلا تحت الضغط الشديد، وعلى الرغم من أنها تتمتع بمواهب جمة، إلا أنها لا تستفيد من هذه المواهب في شيء. وكل نصائحي لها تذهب أدراج الرياح». تتسم الشخصية الإرجائية بعشق «اللحظة الأخيرة». فمثلما يقول ياسر «غ»، مهندس معماري يعمل في شركة خاصة: «لي أحد الأقرباء عبقري ويعمل في مجال يعتمد على الابتكار الفني، في العام الأول له في الجامعة كان متحمسا جدا وعلى الرغم من صعوبة الدراسة في الكلية، إلا أنه كان الأول وتفوق على الجميع، وبعد فترة غلب عليه طبعه الإرجائي، ولذكائه الشديد كان يستطيع استيعاب العلوم بسرعة وسهولة، فكان يؤجل استذكار دروسه لآخر لحظة، وفي الأخير تخرج لكن بأدنى درجات، واستمر معه ذلك حتى الآن في عمله المعتمد على التجديد والابتكار الفني». وبأسف يتابع ياسر: «صديقي هذا وعلى الرغم من موهبته إلا أنه عندما يريد الاشتراك في مسابقة من المسابقات المتعلقة بمجال عمله ينتظر لآخر يوم أو حتى للساعات الأخيرة، ويظل يحسب بقلق، كم سيأخذ من الوقت البريد هنا وهناك، وفي الأغلب تصل الطرود بعد الموعد المسموح به في المسابقة. والمدهش أن ذلك تكرر معه ثلاث مرات». في رأي الدكتورة نادية نظير جرجس، استشارية المخ والأعصاب والطب النفسي بجامعة القاهرة وجامعة جايز بلندن، أن «هذا النمط من البشر، غالبا ما يكون صاحب شخصية وسواسية، فهو يبحث عن التفاصيل الصغيرة قبل اتخاذ القرار مما يسبب له التعطيل في حياته، وإرجاء اتخاذ القرارات بحثا عن مزيد من المعلومات، وعادة ما يكون هذا الشخص دقيقا للغاية، لكنه مع ذلك يفتقد المبادرة، ودائما ينتظر حتى يبدأ الآخرون، ويستفيد من تجربتهم، لذلك يرجئ اتخاذ القرارات. ونلاحظ على هذه الشخصية صعوبة أن تتخلص من أشيائها وأغراضها فهي تتمسك بها بقوة. وفي حالات أخرى تكون شخصية اعتمادية لا تستطيع اتخاذ قرار بمفردها، وتلجأ إلى شخص آخر ليساعدها في اتخاذ القرار، مما يعني أنها شخصية تفتقد للثقة بالنفس. ومن الممكن أن تكون الإرجائية بسبب الاكتئاب والنظرة السوداوية للماضي والمستقبل، وعدم الحماس للفعل أو المبادرة باتخاذ القرار». وتؤكد دكتورة نادية، على أهمية إعطاء هذا النمط من الشخصية مسؤوليات صغيرة مع التشجيع المستمر والمدح، حتى تزداد ثقته بنفسه ويسهل عليه البدء فيما يريد إنجازه أو استكمال ما بدأه. لكنها تحذر من النقد اللاذع واللوم المستمر، لأن ذلك لا يساعدهم إطلاقا، فنحن بشر ولسنا كاملين، وكل شخص له مميزاته وعيوبه. ولا ترى الدكتورة نادية، أنه ليس من السهل على الشخص الخروج من هذه الحالة بنفسه، بل يحتاج إلى مساعدة طرف آخر، على الرغم من أن هذه الشخصية تكون فعالة جدا ونشيطة في حال معرفتها لما تريد وتحديد أهدافها، لذا يمكن للشخص نفسه تحديد ما يريد إنجازه في لائحة قصيرة يقوم بانجازها بالتدريج. فتحقيق هدف واحد يولد الرغبة في إنجاز آخر، وهكذا، فإن لم تخطط لما تريد لن تنجز شيئا. والأسباب في رأيها تكون بيولوجية متعلقة بالوراثة والجينات، وأيضا تربوية، فربما كان الأهل من النمط نفسه، ونقلوا عدوى الإرجاء لأولادهم، أو كانوا كثيري اللوم والنقد لأولادهم ولا يقبلون منهم أقل هفوة، ولا يوجد في حياتهم مساحة للعب والمرح والضحك والرحلات. هنا يبرز سؤال مهم وهو: كيف تكتشف الأم أن ابنها مصاب بجرثومة الإرجائية ؟ الدكتور محسن القيعي، أستاذ طب الأطفال، واستشاري الأمراض النفسية والعصبية بجامعة الأزهر يقول: «صفة التأجيل تظهر في مرحلة ما قبل المدرسة، فالطفل الصغير الذي يمسك البول ويؤجل عملية الإخراج بدأت لديه بالفعل هذه الصفة، ويجب على الأهل التنبه لذلك ومساعدته قبل أن تتأصل معه الصفة. والطفل الذي يؤجل الواجبات المنزلية حتى يأتي وقت النوم مصاب بهذه الجرثومة، وقد يكرس الأهل هذه الصفة عندما يقوم أحد الوالدين بعمل الواجبات الدراسية للتلميذ، أو عندما تخفي الأم هذه الأمور عن الأب. وبالتالي تتفاقم الصفة بآثارها السلبية، التي قد تمتد لبقية العمر». وينصح الدكتور القيعي، بأن «الوقاية هنا خير من العلاج، ويكون ذلك بالرفق والإصرار، مشيرا إلى أنه من الأشياء الفعالة المكافأة والعقاب خاصة في مجال العمل، ولو بكلمة إيجابية. ويشدد على أن من سمات هذه الشخصية أنها تكره الضغط وتحب من الشريك أن يظهر مشاعره الحميمة، وأن يعيش معه بسلام، فهي شخصية من أكثر الشخصيات رقة ولطفا، تكبت مشاعرها وما تريد، وتحاول دائما إرضاء الشريك. ولكن عندما تغضب يكون غضبها عنيفا لا يتناسب مع الموقف، لأنه نتيجة كبت كثير من المواقف والأشياء». تبقى نقطة مهمة يركز عليها الدكتور القيعي، وهي أن شريك الشخصية الإرجائية قد لا يفهم أنه حين يهرب من المواجهة معها أو من الضغوط، يفرط بشكل لا إرادي في الطعام أو النوم، ومشيرا إلى أن الشخصية المرجئة تشعر دائما أنها بحاجة للطرف الآخر، لكن في الأغلب هذا شعور كاذب، لأنها تستطيع الاعتماد على ذاتها بشكل كامل. |
الله يبيحه مآ . أبي منه / تبريـر
واللي معه قصّرت . و إلا جرحته ؟
أبيه يسامحني . على كلّ . تقصير