إن ثقافة الطفل الأصم أهم أحد الروافد في نسيج الحياة الثقافية والفنية للمجتمع لأن ثقافة الطفل الأصم هي إحدى الثقافات الفرعية وهي جزء من ثقافة المجتمع وهي تشارك الثقافة العامة في صفات عدة ولكنها لا تشكل نسخة مكررة منها بأي حال من الأحوال بل هي كيان متميز ، وانطلاقاً من أن مسرح الطفل الأصم وما يتضمنه من فنون مختلفة يعتبر أحد الروافد الأساسية التي تساهم في تشكيل الوعي الثقافي والفني للأصم. لذلك فإننا نحاول أن نلقي مزيداً من الضوء على ملامح الدور الذي يجب أن يلعبه مسرح الصم الجديد مع الألفية الثالثة وما تفرضه من متغيرات يجب علينا أن نواكبها من أجل تحقيق شيء من الازدهار والانتشار لحاضر مسرح الصم ومستقبله. إن مسرح الأطفال من أعظم الاختراعات في القرن العشرين. إنه أقوى معلم للأخلاق وخير دافع إلى السلوك الطيب اهتدت إليه عبقرية الإنسان لأن دروسه لا تلقن بالكتب بطريقة مرهقة أو في المنزل بطريقة مملة ، بل بالحركة المتطورة التي تبعث بالحماس. إن الكتب لا يتعدى تأثيرها العقل وقلما تصل إليه بعد رحلتها الطويلة والمرهقة ولكن حين تبدأ الدروس رحلتها من المسرح فإنها لن تتوقف في منتصف الطريق بل تمضي قدما ً إلى غايتها ، وذلك لأن للمسرح خاصية منفردة ألا وهي التحام الآدمية بالآدمية ، وجهاً لوجه بلا حواجز أو فواصل وهذا ما يمنحه التأثير المباشر على المشاهد.
إن المرحلة القادمة منحنى تاريخي جديد على خريطة التطور الإنساني ، يتضمن هذا المنحنى عديداً من الاكتشافات العلمية وثورة تكنولوجية وثورة في عالم الاتصالات. إن العالم يتغير ولم تصبح الحدود المكانية أو الزمانية تتحكم فيه ، بل ظهرت مجتمعات معرفية جديدة لا تعترف بتلك الحدود وذهبت فيما وراء الزمكانية نتيجة لتطور وسائل الاتصالات الإلكترونية وما يستحدث من تكنولوجيا جديدة في عصر المعلوماتية ، ولقد أصبح بمقدورك الآن أن تدير أعمالك وتستكشف العالم وثقافاته وتستدعي على شاشة جهازك أي حفل أو عرض مسرحي كبير وتكسب أصدقاء جدداً ، وتعرض الصور على أصدقائك المقيمين في آخر حدود هذا العالم دون أن تترك مكتبك ونتيجة لهذا التقدم التكنولوجي الاتصالي الذي سيطر على الثقافة والحضارة الإنسانية ظهر المجتمع اللامكاني وبالتالي يصبح هناك معيارية جديدة للمجتمع ولابد لهذه المعيارية من تصور يتفاعل معها ، والمسرح عنصر هام في المنظومة الاجتماعية التي تعبر عنه وتعكس توجهاته ومشكلاته ورؤاه وأحلامه ، ومن ثم يبرز على العقل تساؤل: هل المتغيرات الحياتية تحتم تغير المعطيات الفنية في ظل المتغيرات الجديدة؟ أو بمعنى أكثر وضوحاً هل هناك غاية جديدة لمسرح الأطفال الصم في الألفية الثالثة؟ ومن هنا يبرز سؤال ضروري: ماذا عن دور مسرح الطفل الأصم في هذه المنظومة الجديدة؟ هل سيظل مهمشاً كما هو أم سيتطور إلى مواكبة هذا العصر المستقبلي بمفاهيم جديدة؟ فلا بد وأن تتجه موضوعات مسرح الأصم لروح العصر والواقع الحضاري الذي صنع متغيرات كثيرة سواء على المستوى السلوكي أو المعرفي أو التقني ، وانطلاقاً من هذه الرؤية التي تحاول أن تحيا بفكر جديد ومنطق جديد وأن تساير هذا الزمان بشجاعة وإدراك ووعي نحو التطور مع هذا العصر ، فمن الضروري أن تكون موضوعات العروض المسرحية الموجهة للصم نابعة من طبيعة هذه المتغيرات ، إنها التعددية الثقافية التي يجب أن يحياها مسرح الصم الجديد دون التخلي عن قيمه ومعاييره المستمدة من بيئته العربية لكي يحافظ على هويته وأصالته العربية رغم كل هذه المتغيرات ، ولهذا يجب ألا تقتصر الموضوعات على الجانب العلمي فقط وإنما على منظومة قيم حضارية أخرى تكون شائعة في المجتمع من قاعدته إلى قمته ومن أهم تلك القيم هي تقديس الوقت والإيمان بفاعليات العمل الجماعي والاهتمام البالغ بالبشر واحترام الإنسان ، والتعليم القائم على الإبداع وليس التلقين وإشاعة روح توخي الكمال والتميز والسعي الدؤوب لدمجهم في المجتمع. كما أنه من الضروري الاهتمام بالتراث لأنه روح الأمة وتاريخها الذي يستخلص منه القيم الإنسانية وتكتشف المعرفة ، كما ينبغي ألا يقدم التراث المصري والعربي في عالم مسرح الأصم من منظور الماضي البعيد لأن المحاكاة للماضي تضع المسرح في صورة جامدة غير متحركة متفاعلة مع الحاضر وإنما يقدم التراث برؤية جديدة تجمع بين القديم والجديد والموروث والمعاصر ليكون امتداداً في المستقبل برؤية متطورة. |