البستان الأزرق
كانتْ سمكةٌ صغيرةٌ، تعيشُ في نهرٍ جميل.. النهرُ الكريمُ، غذّاها بطعامِهِ، وربّاها بحنانِهِ، حتى صارتْ كبيرة. السمكةُ لم تفارقِ النهرَ، ولم تعرفْ وطناً غيرَهُ. في مياهِهِ تسبحُ، وعلى أمواجِهِ ترقص، وفي أعماقه تغوص. النهرُ يحضنها بين ضفتيهِ، كأنَّهُ أُمٌّ رؤوم. عاشتِ السمكةُ، هانئةً سعيدة.. ذاتَ يوم.. قالت لها الضفدعة: – صديقتي السمكة! – ماذا تريدين؟ – هل شاهدْتِ الأزهار؟ – لا. – هل تعرفينَ الأشجار؟ – لا. – اصعدي إلى الشاطئ. – لماذا؟ – سأُريكِ أشياءَ جميلة. – أين؟ – في البستان. قالت السمكة: – أيكونُ البستانُ أجملَ من النهر؟! – نعم. – أنا لم أرَ أجملَ من النهر. – وهل خرجْتِ منه مرَّةً؟ – لا. – اخرجي، وشاهدي بعينيكِ. قفزَتِ السمكةُ إلى الشاطئ.. وحينما صارتْ على الرمال، شعرَتْ باختناقٍ شديد.. أخذَتْ تتلوَّى، وتتقلَّب.. جمعَتْ قواها، وزلقَتْ إلى الماء.. وعندما احتضنها النهر، عادت إليها أنفاسُها، وآبَ إليها نشاطها، فبدأَتْ تغوصُ، وتقفزُ، فرحةً آمنة.. صاحتِ الضفدعةُ: – لماذا رجعْتِ أيَّتُها السمكة؟! – النهرُ وطني، ولن أتركه. – اتركيه قليلاً، ثم تعودين إليه. – لن أفعل. – لماذا؟ – إذا تركْتُهُ فسوف أموت. – لن تموتي. – وما يدريكِ؟ قالت الضفدعة: -أنا أعيشُ تارةً في الماء، وتارةً في البستان. قالتِ السمكةُ: -أنا ليس لي إلاّ وطنٌ واحد. انصرفَتِ الضفدعةُ يائسةً.. وانطلقتِ السمكةُ، داخلَ النهرِ، ترقصُ وتغنِّي: يا نهري يا وطني الغالي يا أحلى كلِّ الأوطانِ لا أبغي غيرَكَ لي وطناً فالموجُ الأزرقُ بستاني ———————————————————————————– |